السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الذي أنزل على عبده أول ما أنزل عليه ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:1-5] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم تفقهوا في دينكم في عقائده وأحكامه فإن من يرد الله به خيراً يفقه في الدين تعلموا شرائع الله لتعبدوا الله على بصيرة وتدعوا إليه على بصيرة فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أيها الناس تفقهوا في دين الله اطلبوا علم شريعة الله فإن العلم بذلك نور وهداية وإن الجهل بذلك ظلمة وضلالة اطلبوا العلم فإن العلم مع الإيمان رفعة في الدنيا والآخرة قال الله تعالى ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11] اطلبوا العلم فإنه ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا دينارا)(1) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث )(2) ولكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر يعني من ميراثهم اطلبوا العلم فإنه ذخر لكم في الحياة وبعد الممات قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )(3) اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدق في الآخرين فإن آثار أهل العلم تبقى بعد فنائهم فالعلماء الربانيون لم تزل أثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة وسعيهم مشكورا وذكرهم مرفوعا إن ذكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية كانوا قدوة الناس فيها ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾[الأنعام: 122] لا والله لا يستوي هذا وهذا لا يستوي من مات فأحياه الله بذكره وعلمه وجعل له نوراً يمشي به في الناس ومن كان في الظلمات منغمساً فيها غير قادر على الخروج منها لجهله بشريعة الله فهو في الظلمات ليس بخارج منها أيها الناس اطلبوا علم شريعة الله مبتغين به الأجر من الله عز وجل لا لتنالوا عرضاً من الدنيا فإن من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب عرضاً من الدنيا لم يجد عرث الجنة يوم القيامة أي لم يجد ريحها لأنه ابتغى الدنيا بما تبتغى به الآخرة وكل إنسان قصد الدنيا وابتغاها بما تقصد به الآخرة وتبتغى به فقد تحيل أو فقد أراد أن يتوصل بالأعلى إلى الأدنى ولذلك قال الله عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16] أيها الناس اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم فإن الله تعالى قال: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78] السمع تسمعون ما يلقى إليكم والأبصار تبصرون ما يكتب لكم والأفئدة تعقلون بها ما يلقى عليكم ولا علم للإنسان إلا بالتعلم اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن عباد الله فتنشروا العلم بين الخلق فإن على أهل العلم حق تبليغه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية )(4) وقال صلى الله عليه وسلم ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(5) وإنني بهذه المناسبة أحث طلبة العلم الذين أدركوا من العلم حظاً ولو قليلا على أن ينشروه بين الخلق وأن يجعلوا مجالسهم معمورة به بالتساؤل والبحث حتى يفيدوا ويستفيدوا أما أن يجلس طالب العلم مع عامة الناس وكأنه عامي بينهم لا يفتح لهم باب العلم ولا باب التساؤل والبحث فإن ذلك فيه حرمان كثير أيها الناس وأخص الشباب بالذات اطلبوا العلم لتحفظوا به شريعة الله عز وجل فإن الشريعة تحفظ بشيئين الكتابة والحفظ في الصدور وهو العلم اطلبوا العلم لتدافعوا به عن شريعة الله فإن الدفاع عن الشريعة إنما يكون برجالها وإنني أضرب مثلاً برجل ضال مبتدع أو ملحد أو مخرف قام يدعو إلى ضلالته بين قوم لا علم عندهم فهل يستطيع أحد منهم أن يبين ضلالته ويحمي الشريعة من عدوانه لا ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته وحوله من كتب الحق والهدى ما لا يحصى فإن هذه الكتب لن يقفز منها كتاباً واحداً يبين ضلالته ويكبح عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته في قوم بينهم عالم لقام هذا العالم مبيناً ضلالة داحضاً حجته مبطلاً لدعوته إذن فالشريعة لا تحمى إلا برجالها ولا رجال للشريعة إلا حملة الشريعة بالعلم والعمل أيها المسلمون أيها الشباب اطلبوا العلم لتدعوا به إلى الله عز وجل فإن الدعوة إلى الله لا تتم بدون العلم وكم من شخص نصب نفسه داعية إلى الله لكنه لا علم عنده فلا تكمل دعوته ولا تتم وربما تكلم عن جهل فأفسد أكثر مما يصلح يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف:108] لم يقل أدعو إلى الله وسكت بل قال أدعو إلى الله على بصيرة فالنبي عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله على بصيرة بصيرة بما يدعو إليه بصيرة بحال من يدعوهم حتى يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن أيها الناس إن طلب العلم أفضل من الصلاة قال الإمام أحمد رحمه الله تذاكر ليلة أحب إلي من إحيائها وذلك لأن العلم فيه من المطالب العالية ولا سيما في وقتنا هذا الذي كثر فيه طلب الدنيا والتكالب عليها وكثر فيه القراء العارفون دون الفقهاء العاملين إن ثمرة العلم العمل والدعوة إلى الله به فمن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالاً عليه ومن لم يدعو الناس به كان علمه قاصراً عليه من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد:17] وقال جل ذكره ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ﴾ [مريم: 76] ومن ترك العمل بما علم أوشك أن ينزع عنه العلم قال سبحانه ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13] وقد قيل ( العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل)(ك1) وقيل ( قيدوا العلم بالعمل كما تقيدونه بالكتابة ) (ك1) أيها الناس قد يتساءل الكثير من الناس كيف ننال العلم نحن حريصون على العلم ولكن من أين نأتي العلم فأقول إن لنيل العلم طريقين أحدهما أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها التي ألفها علماء مرضيون بعلمهم وأمانتهم والثاني أن يتلقى ذلك من معلم موثوق به علماً وديانة وهذا الطريق أعني الطريق الثاني وهو تلقي العلم من المعلم الموثوق به علماً وديانة أسلم وأسرع وأثبت للعلم لأن الطريق الأول أعني طريق التلقي من الكتب قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري إما لسوء فهمه أو لقصور علمه أو لتقصير منه في التدبر أو لغير ذلك من الأسباب ولهذا تجد كثيراً من الذين اعتمدوا على الكتب دون الرجوع إلى أهل العلم تجد عندهم من الشطحات ما ليس عند غيرهم أما الطريق الثاني فهو أسهل وتكون فيه المناقشة والأخذ والرد فينفتح للطالب بذلك أبواب كبيرة في الفهم والتحقيق وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة ورد الأقوال الضعيفة وإن جمع الطالب بين الطريقين التلقي من الكتب ومن المعلمين كان ذلك أكمل وأتم وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها حتى يكون مترقياً من درجة إلى ما فوقها فلا يصعد إلى درجة إلا وقد تمكن مما تحتها ليكون صعوده سليماً وليحرص غاية الحرص على حفظ المتون المختصرة في العلوم فإن الحفظ هو الذي يبقى وهو الذي إذا احتاجه الإنسان وجده أما الفهم فإنه يذهب سريعاً ولذلك فإنني أحث ولاسيما الصغار أحثهم على حفظ المتون حتى تبقى في أذهانهم أيها الناس إن طلب العلم فرض كفاية فالقائم به قائم بفرض وإنني لا أدري هل نحن إذا جلسنا للمراجعة أو إذا جلسنا في حلق الذكر لا ندري هل الواحد منا يشعر بأنه قائم بفرض هل الواحد منا يحتسب هذا العمل على ربه ويرجو منه ثوابه أعتقد أن كثيراً منا يجلسون هذه المجالس وأكبر همهم وأكبر ما يكون في نفوسهم أنهم يريدون تحصيل العلم فقط وهذه بلا شك نية فاضلة ولكن إذا جمع الإنسان بين النيتين نية التحصيل ونية التقرب إلى الله عز وجل بهذا الفرض كان ذلك أكمل وأتم وكان لا يقرأ حرفاً ولا يكتب كلمة إلا أثيب عليها ثواب فرض الكفاية ( وما تقرب أحد إلى الله بشئ أحب إليه مما افترضه عليه )(6) وإذا احتاج الإنسان إلى نوع من العلم كان تعلمه فرض عين عليه فمثلاً إذا أراد أن يتوضأ يجب عليه عيناً أن يتعلم كيف يتوضأ إذا أراد أن يصلي يجب عليه أن يتعلم عيناً كيف يصلي إذا كان عنده مال يجب عليه أن يتعلم ما المال الذي فيه الزكاة وما مقدارها وأين تدفع إذا أراد أن يصوم يجب عليه أن يتعلم كيف يصوم وماذا يصوم عنه إذا أراد أن يحج يجب عليه أن يتعلم كيف يحج حتى يعبد الله على بصيرة إذا أراد البيع أو الشراء يجب عليه أن يتعلم ما هي البيوع المحرمة حتى يتجنبها أيها الأخوة إننا نشكو إلى الله عز وجل من بعض إخواننا الذين يعبدون الله تعالى على جهل يعبدون الله تعالى كما يعبده عامة الناس ولهذا تجدهم يسألون كثيراً عن أمور يخلون بها لكن متى يسألون عنها يسألون عنها إذا فات الأوان تجد الواحد منهم يأتي بعد الحج فيقول تركت شوطاً من الأشواط السبعة من طواف الإفاضة طفت شوطاً من الأشواط من طواف الإفاضة بين الحجر وبين الكعبة طفت بغير طهارة سعيت ولكنني قطعت السعي وذهبت ثم رجعت نال الازدحام من الطواف فخرجت وطفت في الصف الثاني ثم ذقت ألم الزحام فخرجت وكملت في الصف الثالث وهكذا تأتي المشاكل ولكن بعد أن يفعلها الإنسان ثم يتحير هذا الفاعل ويتحير المفتي كيف يخرج هذا الإنسان من الورطة التي وقع فيها إذن دواء ذلك أن لا تقوم بعبادة إلا وأنت عالم بما فيها كي تعبد الله تعالى على بصيرة وكي تنال أجر العلماء قال الله عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9] اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا ونحن في انتظار فريضة مما فرضته علينا نسألك اللهم يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام أن توفقنا للهدى والرشاد اللهم وفقنا للهدى والرشاد اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً تنفعنا به يا رب العالمين وزدنا علماً بمنك وكرمك إنك الجواد الكريم اللهم جنبنا الضلال والفساد اللهم أهدنا للهدى وجنبنا الردا وأغفر لنا في الآخرة والأولى أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم …
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
أيها الناس فإنكم تدعون في هذا اليوم المبارك تدعون إلى ذكر الله عز وجل إلى ذكر الله بما تسمعونه من الموعظة إلى ذكر الله بما تقومون به من الصلاة يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة:9-10] فأعدوا أيها المسلمون لهذا اليوم عدته لا تأتون إلى هذا المكان إلى صلاة الجمعة ( إلا وأنتم مغتسلون وتطيبوا وألبسوا أحسن ثيابكم)(7) فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )(
هكذا يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )(
يقوله وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله يقوله وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول يقوله صلى الله عليه وسلم وهو أدرى الناس بمعنى ما يقول يقوله صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس بما يقول يقوله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس بما يقول أفبعد هذه الأوصاف المتحققة في كلامه وهو يقول لأمته غسل الجمعة واجب على كل محتلم أي على كل بالغ أفبعد هذا القول الفصيح الواضح الصادر من أعلم الناس بشريعة الله وأنصح الناس لعباد الله أفبعد هذا القول يأتي أحدكم وهو لم يغتسل ورائحته تفوح كراهة من عرقه وما يتبعه من إصنان أو غيره إن الإنسان المؤمن إذا سمع مثل هذا الحديث لا يمكن أن يأتي إلى الجمعة إلا وقد اغتسل وتنظف وتطهر امتثالاً بل تنفيذاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )(9) وامتثالاً لأمره حيث قال صلى الله عليه وسلم ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )(10) ولقد دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الخليفة الثالث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الجمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة فلامه عمر على تأخره عن الصلاة فقال عثمان رضي الله عنه والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم جئت يعتذر بأنه لم يتوقف للاغتسال وإنما توضأ ليكون أسرع إلى مجيئه إلى الجمعة فقال عمر رضي الله عنه والوضوء أيضاً أي وتفعل الوضوء وحده أيضاً فتجمع بين التأخر وبين الاقتصار على الوضوء قال عمر والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ) (10) فلامه أمام الناس على ترك الاغتسال ليوم الجمعة واستدل لذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63] لا تأتوا الجمعة إلا وأنتم مغتسلون متنظفون متطيبون حتى لا تتأذوا بالرائحة ولا تؤذوا غيركم من الملائكة والمصلين بالرائحة وإن أقبح من ذلك أولئك القوم الذين ابتلوا بشرب الدخان وشرب الدخان محرم ابتلوا به يشربونه وهم مقبلون إلى المسجد ثم يأتون إلى المسجد يدخلونه وأفواههم تفوح رائحة من هذه الرائحة الخبيثة فيؤذون المصلين ويؤذون الملائكة بالرائحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن أكل بصلاً أو ثوما قال ( لا يقربن مصلانا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )(11) أيها الأخوة اغتنموا فرصة هذا اليوم اغتسلوا للحضور إليه وتطيبوا والبسوا أحسن ثيابكم وأتوا بخشوع وسكينة ثم صلوا ما كتب لكم ثم انتظروا إلى مجئ الإمام ثم أنصتوا حتى تنتهي الخطبة واعلموا وأقول اعلموا أيها الناس أن كلام الإنسان والإمام يخطب يوم الجمعة كلام محرم يفقد الإنسان فضل يوم الجمعة وتكون الجمعة في حقه كسائر الأيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب إذا قلت أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقلد لغوت )(12) ومعنى لغوت أي أتيت اللغو ولغت جمعتك فلم يكن لك فضل منها وإن كانت تبرئ الذمة وتجزئ ظاهراً لكن أجرها وفضلها الذي خصت به هذه الأمة يحرمه من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب وقد بلغني أن أناساً يكونون في الخلوة في الأسفل يتحدثون والإمام يخطب فيؤذون الناس بالأصوات ويحرمون أنفسهم فضل يوم الجمعة فأوجه إلى هؤلاء النصيحة بأن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم ويتقوا الله تعالى في إخوانهم وليمسكوا إذا شرع الإمام في الخطبة ليستمعوا إليها لعلهم يرحمون أيها الأخوة إن الواجب علينا أن نتعاون على البر والتقوى وإذا رأينا مثل هؤلاء أن ننصحهم بعد الصلاة أو فيما بين الخطبتين ننصحهم ونفرقهم فإن لم ينفع بهم ذلك فعلينا أن نبلغ من له الكلمة في هذا البلد حتى يكفي الناس شرهم لأن شرهم عظيم على أنفسهم وعلى غيرهم اللهم إنا نسألك إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءاً بعهدك وأتباعاً لسنة محمد صلى الله عليه وسلم اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم أسقنا من حوضه اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يا رب العالمين اللهم اجعلنا ممن نالته شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة اللهم ارضى عن خلفائه الراشدين وعن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أذل الشرك والمشركين اللهم أنصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان وفي غيرها من البلدان يا رب العالمين اللهم أنصرهم على عدوهم اللهم أخذل عدوهم واجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين اللهم من أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره اللهم من أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره وشتت شمله وفرق جمعه واهزم جنده وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا رب العالمين اللهم احمي أهل السنة والجماعة مما يكيد بهم أعدائهم يا رب العالمين اللهم أجعلهم منصورين بالحق في كل زمان ومكان إنك على كل شئ قدير اللهم ربنا لا تؤاخذنا بأفعالنا وأفعال سفهائنا اللهم تولنا جميعاً بعفوك ولطفك يا رب العالمين اللهم ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين أيها المسلمون أكثروا من الاستغفار والتوبة إلى الله التوبة الخالصة التي تنزجرون بها عن المحارم وتقبلون بها على الطاعات فإن الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77] وفقني الله وإياكم لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه وجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين …
--------------------------
(1) هذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده ( 20723 ) والترمذي رحمه الله تعالى في كتاب العلم ( 606 ) وأبو داود رحمه الله تعالى ( 3157 ) وأبن ماجه رحمه الله تعالى ( 219 ) من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه.
(2) أخرجه الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ( 9593 ).
(3) أخرجه الإمام مسلم ابن الحجاج رحمه الله تعالى في كتاب الوصية ( 3084 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(4) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب أحاديث الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ( 3202 ) من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما .
(5) أخرجه البخاري في كتاب العلم من حديث أبو بكرة رضي الله تعالى عنه ( 102 ).
(ك1) ذكر هذا الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في الجامع - وابن عساكر في ذم من لايعمل بعلمه ( 15 ) رحمهما الله تعالى عن علي ابن طالب رضي الله تعالى عنه .
(6) هذا جزء من الحديث القدسي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى - أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الرقاق ( 6021 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأخرجه الإمام احمد رحمه الله تعالى في مسنده ( 24997 ) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما .
(7) أخرجه أبو داود في سننه رحمه الله تعالى في كتاب الطهارة من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الحذري رضي الله تعالى عنهما ( 290 ) وأخرجه الإمام رحمه الله تعالى في مسنده ( 10820 ) من حديث أبي سعيد الحذري.
(
أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 2830 ) من حديث أبي سعيد الحذري رضي الله تعالى عنه وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 1400 ) من حديث أبي سعيد الحذري عن أبيه رضي الله تعالى عنهما .
(9) وأخرجه الإمام احمد رحمه الله تعالى في مسنده ( 87 ) بلفظ ( إذا راح ) ولفظ البخاري رحمه الله تعالى ( إذا راح )ولفظ مسلم رحمه الله تعالى ( إذا راح ) ولفظ أبو داود رحمه الله تعالى ( إذا أتي ) هذ1 اللفظ هو الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى وأخرجه الدارمي رحمه الله تعالى في سننه في كتاب الصلاة ( 1495 ) و سبق تخريجه .
(10) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 833 ) وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 1396 ) وأبو داود في كتاب الطهارة ( 287 ) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(11) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ( 876 ) وأخرجه الإمام احمد رحمه الله تعالى في مسنده ( 14626 ) من حديث جابر بن عبد الله تعالى رضي الله تعالى عنه.
(12) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 822 ) وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 1404 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.