سُئل الدكتور أحمد زويل -الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء- عن أهم صفات العالم الحقيقي، وكيف يمكننا التمييز بين العالم والمُتعالم؟
فقال: "من يحدّثك عن عظمته وقدرته وعلمه ونبوغه؛ فلا تستمع إليه؛ فإن العلماء الحقيقيين كلما ارتقوا في سُلّم العلم، وتكشّفت لهم مساحات أخرى من الجهل، أدركوا كم هم صغار في ملكوت الله، وأنهم نقطة في بحر العلم والمعرفة".
وذلك لأن من أهم مفردات الرفعة، أن ترى نفسك تلميذاً في مدرسة الحياة، وأول صفات العظماء أنهم يقفون على الحدود الحقيقية لمعرفتهم، ويستطيعون قراءة أبعاد مداركهم واستيعابهم.
عندما أخبرنا رب العزة أن العلماء هم أكثر الناس خشية له، وإجلالاً لعظمته، كان يخبرنا أن العلم والمعرفة، بوابة الحقيقة العظمى، وأنه "فوق كل ذي علم عليم".
إن من يفخرون بما لديهم، ويشمخون بأنوفهم عالياً؛ مذكرين الآخرين بين الحين والآخر بما يملكون، وبما يدركون، وبما يعرفون؛ هم في الحقيقة يعانون من خلل ما في تكوينهم النفسي، وعدم ثقة بقدرتهم على الارتقاء الدائم، وفوق هذا، جهل بأهم الحقائق الكونية، وهي أن العلم والحق والمعرفة المطلقة لا يمتلكها بشر، والفضل لا يعلمه إلا الله.
ولربما فضحهم أمام أنفسهم ذات يوم، رجلٌ بسيط لا يلقون له -في الغالب- بالاً أو اهتماماً..!
وإني لأتذكر هنا إحدى القصص الرمزية التي تبيّن الهوة بين المغرور بمعرفته وتقديره، والبسيط الذي قد يطويه الزمن دون أن يشعر به أحد، برغم نباهته وذكائه.
وذلك أنه في أحد الأيام، دخل طفل صغير أحد محلات الحلاقة، وما إن رآه الحلاق حتى ابتسم في سخرية وهو يهمس للرجل الجالس بين يديه: هذا أغبى طفل في العالم!.. انتظر وأنا أثبت لك.
ثم ذهب إلى الطفل الهادئ ووضع في إحدى يديه ورقة نقدية من فئة الجنيه، وفي اليد الأخرى ورقة بنصف جنيه، ثم قال للطفل، أيهما تختار يا صغيري!
فاختار الطفل الورقة من فئة النصف جنيه ثم انصرف..!
هنا ابتسم الحلاق في سخرية، وقهقه سعيداً بتلك التجربة المبهجة، وقال للرجل: ألم أقل لك إنه غبي، كل مرة يفعل نفس الشيء، ويختار الفئة الأقل.
وعندما انتهى الرجل من إصلاح شعره وخرج، وجد الطفل الصغير خارجاً من محل الحلوى، بعدما اشترى بالنصف جنيه حلوى يشتهيها؛ فدفعه الفضول إلى سؤاله: لماذا لا يأخذ الجنيه بدلاً من الفئة الأقل؟!
هنا نظر الطفل إلى عينيه مباشرة وقال: لأن اليوم الذي آخذ فيه الجنيه ستنتهي اللعبة!!
إن التواضع رزق من الله، والكِبر والغرور استدراج، وما أكثر من وقعوا في فخ "الأنا"، وملئوا الدنيا بأحاديث عن أنفسهم، وفوق هذا سفّهوا من الآخر، واستهتروا به.. الإمام الشافعي رحمه الله يحذرنا من أنه "من سما بنفسه فوق ما يساوي، ردّه الله تعالى إلى قيمته".
بينما مَن يطويهم التواضع بين جناحيه هم العظماء حقاً..
فلا تكن يا صديقي كالحلاق الأحمق، الذي يعتزّ بذكائه الموهوم، ويضحك على أخطاء الآخرين، كي لا تعيش في دنيا من الخيال؛ بينما الآخر يتلاعب بك!
والخلاصة: حقيقة الفضل لا يعلمها إلا الله؛ فلا تغترّ بنفسك أو عملك، والتزم جدار التواضع، تأتيك الرفعة والعزّ والشرف من الله دون طلب منك.
فلنكن من من عرف قيمة نفسك وهذا ماسنسعى اليه انشاء الله